الباعة المتجولين

بقلم : مبارك الحسناوي     

عندما حصلت على الإجازة العليا في الشريعة صيف 2006 فرحت فرحا شديدا وظننت أن الدنيا فتحت لي ذراعيها وأنني خلال بضعة أيام أو شهور سأصير موظفا في إحدى القطاعات الحكومية وسرحت بفكري في المستقبل الذي لا يعلمه إلا الله تعالى.

بعد فترة طويلة نسبيا اضطرتني الظروف إلى انجاز بعض الوثائق الإدارية . عندئذ سألني الموظف عن مهنتي اضطربت دورتي الدموية وتوقف تفكيري لبرهة وأجبته بعد أن تصبب العرق من جبيني ” معطل ” فأجابني أن هذه ليست مهنة فابحث لك عن مهنة أخرى فكرت و فكرت ثم قررت ” بدون  عمل” فأجاب : سأسجلك في زمرة المياومين و اقسم أنني حينها لم أدرك لفظها فكيف لي بادراك معناها تظاهرت بالفهم و مضيت و مع الأيام تبين لي ان مياوم هي ” ان يكون الرجل مثل الغيث أينما وقع نفع”.

        ثم مع مرور الأيام تبخرت الأحلام و بدأت تتلاشى و بدأ اليقين يسلك طريقه إلى قلبي ووجداني بأن الرجل الحقيقي هو الذي لا يستنكف عن ممارسة أي عمل مشروع يدر عليه رزقا حلالا . واخترت من بين المهن كلها” التجارة ” لورود الأحاديث الكثيرة في فضلها و تفضيلها. و نظرا لقلة ذات اليد و تواضع الإمكانيات المادية كانت التجارة على الرصيف أو ” تافراشت” أو “بائع متجول” اقرب إلى جيبي لكونها لا تتطلب ” رأس مال” كبير بل تحتاج إلى “الجبهة العريضة” أو الجرأة والقدرة على المواجهة وطبعا لم تكن تنقصني الجرأة ولا القدرة على المواجهة وأنا الذي قضيت أزيد من سبع سنوات من النضال أثناء دراستي بالثانوي و بالجامعة لكن جرأة النضال والخطابة ليست كجرأة المواجهة مع الباعة والمشترين و الصياح من أجل التسويق للمنتوج الذي بين يدي زد على ذلك أن المجتمع اعتاد أن ينظر إلى وأنا حامل محفظتي الصغيرة مرتديا هندامي الأنيق و ينادونني بالأستاذ . لكنه اليوم ينظر إلي نظرة رحمة و شفقة على حالي البائس.

        و مما زاد من معاناة هذا الفرّاش المعطل المسكين انه دائما مطارد أينما حل و ارتحل لأنه “يشوه سمعة المغرب ” و “يقضي على جمالية المدينة” لأن “تفرّاشت مظهر غير حضاري ” وأن الدولة لا تستفيد من مهنة “تافراشت” و غيرها من المبررات التي تبدو واقعية لكن الواقع أكبر من ذلك فلو وجد الشباب مهنا مدرة للدخل أفضل لما لجئوا إلى الرصيف . و حتى القطاع الخاص أو ” القطّاع الخواص ” لا يحترمون الحد الأدنى للأجور ولا شروط السلامة  ولا ساعات العمل القانونية – إلا من رحم ربك-

       ومما ينبغي التنبيه عليه هنا أن السلطات المحلية ملزمة بإتباع سياسة اجتماعية تتمثل في إدماج فئة الباعة المتجولين ” الفرّاشة” ضمن البرامج التنموية – بناء وتجهيز فضاءات قارة بالوسطين القروي والحضري و ذلك من الإعتمادات المخصصة في برنامجي محاربة الفقر في الوسط الحضري ومحاربة الفقر في الوسط القروي وتمكين الباعة المتجولين المنضوين في إطار جمعيات من تسيير هذه الفضاءات بناء على اتفاقية مكتوبة و تشغيل أصحاب الشهادات منهم- و هم كثر- في القطاعات الحكومية و الابتعاد عن المقاربات الأمنية التي لم تزد المغرب إلا تخلفا