بعد سنة من مزاحمة الباعة المتجولين و الثابتين على الأرصفة أيقنت و بحكم تكويني و ثقافتي أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال أن أستمر في هذه المهنة ، ذلك أنها حرفة تفصلك عن ماضيك العلمي و المعرفي و تدخلك في دوامة البحث عن “لقمة” تسد بها رمقك و رمق من تعول،و تجعلك تفكر في اليوم الذي أنت فيه ، و في الدرهم الذي ستكون أنت قنطرته التي يمر منها من غيرك الى غير ،  لا حق لك في الإحتفاظ به او ادخاره.

بائع متجول حاصل على الاجازة في البيلوجيا منذ 1996

في تلك الفترة تعرفت الى بائعين متجولين كثر مثقفون و واعون بل منهم من الحاصلون على شواهد عليا اختاروا ” تافرّاشت”(تعني فرش السلع على الرصيف) بعد أن سدّت أبواب العمل في القطاع العمومي و القطاع الخاص في وجوههم، غاضبون متذمرون مستعدون للقتال حتى مع الشيطان و الوقوف معه اذا ما وعدهم بالوظيفة و رغد العيش بعد سنوات عجاف، فما بالك اذا كان الوعد من شباب حالم بالتغير معروف بالنزاهة و الاستقامة.

20 فبراير

إن غياب الدمقراطية و انتشار الفساد الاقتصادي و غياب المحاسبة و المسؤولية ، علاوة على غياب الشفافية في تدبيرثروات البلاد زاد من غضب الشباب ، و دفع بهم إلى الفرح بالربيع العربي الذي انخرط فيه الكثير منهم ، هذا الربيع الذي كان موقد شرارته ” محمد الوعزيزي ” الذي كان شابا عاطلا من طبقتهم بل كان بائدا متجولا من طينتهم.

إن شرارة البوعزيزي التي هزّت عروش و كراسي الطغاة زرعت أملا في قلوب البائسين و أحيت حلما كان قد تلاشى ، فما كان مستحيلا أضحى ممكنا ، و ما كان ممنوعا أصبح مرغوبا.

من احتجاجات المعطلين بالمغرب

خرجنا يومئذ مع من خرج و نسقنا مع من نسّق و حلمنا بالتغيير مع من حلم،و لكن  أيادآثمة كانت تعبث بنضالاتنا ، و تساوم مستغلة حراكنا ، فساهمت  في أجهاض الحراك و وأد الفكرة الشابة.

لا ننكرأن للربيع الدمقراطي بالمغرب حسنات ، و منها تكسيره للحواجز النفسية لدى الشباب المغربي و التي كانت تمنعه حتى من الحلم في خلوته مخافة أن تقتحم خلوته من قبل مخابرات النظام، هذه الحواجز تراكمت عبر عشرات السنين من القمع و التنكيل بالمعارضين و المشككين في السياساتن العامة و الخطابات الرسمية ، فأصبح اليوم انتقاد السلطة الحاكمة أمرا واردا ، و تحررت ألسنة وأقلام من عقدة الخوف من السلطة،حتى ولو كانت النهاية السجن فلا السجن يخيف و لا المحاكات تخيف و لا تلفيق التهم يخيف و لا فبركة الصور و الفيديوهات من أجل التشهير بالمخالفين يخيف.